مفهوم العنصرية من خلال واقع المهاجرين السريين الأفارقة بالمغرب مقاربة سيكو-سوسيولوجية

مفهوم العنصرية من خلال واقع المهاجرين السريين الأفارقة بالمغرب

 مقاربة سيكوسوسيولوجية

المصطفى شكدالي

   أستاذ باحث في علم النفس الاجتماعي أستاذ السوسيولوجيا بالمعهد العالي الدولي للسياحة بطنجة

 


ملخص:

يتناول هذا المقال بشكل نظري مفهوم العنصرية من خلال واقع المهاجرين السريين الأفارقة بالمغرب، ويسعى إلى فهم وتفسير العنصرية كتصور نمطي يعزز وجوده من خلال مفهومي التمركز العرقي     Ethnocentrisme  و رهاب الأجانب  .  La xénophobie   كما يهدف هذا المقال إلى تجاوز الفهم الاختزالي لمفهوم العنصرية وطرحه على مستوى سياقات وتمثلات اجتماعية مختلفة حسب تغير المواقف والسلوك من موقع الضحية إلى موقع الجلاد.              .                           

  1. توطئة

كلما حصلت أحداث عنف بين الجاليات الإفريقية من جنوب الصحراء وأطراف من الأوساط الاجتماعية بالمغرب، كلما أثير السجال عبر وسائل الإعلام حول قضايا تتعلق بإشكالية إدماج هذه الجاليات في المجتمع. غير أن الإشكالية التي تثير أكثر التساؤلات خاصة عندما يخلف هذا العنف  عددا من ضحايا في صفوف الجاليات الإفريقية، كما وقع بمناطق متفرقة بالمغرب، تظل هي تلك المتعلقة بقضية العنصرية إلى درجة إصدار أحكام قيمة، من طرف البعض، حول المجتمع برمته ونعته  بالعنصرية.

ان تناول حالات العنف الذي يكون أحد أطرافه من المهاجرين السريين الأفارقة بالمغرب تحث يافطة العنصرية لا يعدو أن يكون تناولا متسرعا وفجا. ذلك أن أغلب المنابر الإعلامية وبمعزل عن هذه القضية تقوم بتضخيم الأحداث المتفرقة هنا وهناك ووصفها  “بالظواهر الاجتماعية” في تطبيق مستهجن لمفهوم الظاهرة الاجتماعية بالمعنى السوسيولوجي. إن الحدث عندما يعلن عن نفسه متمظهرا من خلال سلوكيات كالعنف مثلا لا يشكل ظاهرة بقدر ما يكون مؤشرا عنها لتبقى هذه الأخيرة “خفية” وراء عدة متغيرات وعوامل متداخلة على مستوى الواقع والتمثلات الاجتماعية على حد سواء.

من هنا فإن هذا المقال سيحاول القيام بتحليل لمفهوم العنصرية من منظور سيكوسوسيولوجي وعلى ضوء أحداث العنف التي شهدتها بعض المناطق المغربية والتي كان للمهجرين السرين الأفارقة طرف فيها.  ليس الهدف من هذا المقال إعطاء حلولا لعملية إدماج هذه الفئة من المهاجرين داخل المجتمع بقدر ما يهدف إلى فهم وتفسير الدلالات النفسية والاجتماعية على مستوى تداول مفهوم العنصرية والذي يطفو إلى السطح كلما تجدد العنف بين المهاجرين السرين وجماعات من الساكنة المحلية.  من هذا المنطلق فإن أهم الأسئلة التي يتمحور حولها مضمون هذا المقال تتمثل فيما يلي: كيف يحدد مفهوم العنصرية على مستوى الفهم والممارسة؟ ما علاقة العنصرية بمفاهيم أخرى كالتمركز العرقي والأفكار النمطية والقبلية؟ كيف يتمثل المجتمع العنصرية حسب وضعيتي الضحية والجلاد؟ ما هي التحولات على مستوى الادراك الاجتماعي لمفهوم العنصرية بفعل تزايد أعداد المهاجرين السريين بالمغرب؟

  1. في مفهوم العنصرية

 تلتقي أغلب التعريفات المتعلقة بمفهوم العنصرية في القول بأن هذه الأخيرة تحيل على التمييز الذي يقوم على فكرة التفوق العرقي لتبرير سلوكات ومعاملات تحقيرية إزاء الأقليات العرقية المختلفة اجتماعيا وثقافيا. إن العنصرية في أسمى تمظهراتها تسعى إلى تفسير الفوارق الثقافية على أساس عرقي/ وراثي. هذه الفكرة عندما تصبح ترسيخا على مستوى الادراك تتحول على مستوى الممارسات إلى أشكال من السلوكيات إزاء الفئات التي تكون مستهدفة والتي تتمثل في الإقصاء والتهميش والعنف الذي قد يصل في أبعد مداه إلى القتل. إلا أن هذا التعريف يظل شموليا لا ينفذ إلى المعاني المختلفة التي تأخذها العنصرية حسب الحالات ودرجات ممارستها في التنقيص من شأن الآخرين المختلفين في العرق أو اللون أو الانتماء. ومن أجل التقرب أكثر من فهم المعاني والأبعاد المتعددة للعنصرية لابد من سرد بعض المفاهيم التي تتقاطع معها.

من هنا فإن العنصرية تتغذى أولا على ما يسمى في الأنثروبولوجيا “بالتمركز العرقي” [1] « Ethnocentrisme »  والذي يؤدي إلى نوع من المبالغة في التقدير الذاتي لجماعة ما على  أساس عرقي أو جغرافي أو وطني مما ينتج عنه الأحكام المسبقة المقللة من شأن الشعوب والجماعات الأخرى المختلفة. بهذا المعنى تكون العنصرية تمركزا حول الذات العرقية / الجماعية وتتحول في نفس الوقت إلى إقصاء للآخر وإنكار لحقه في الوجود. قد يكون التمركز/العرقي بهذا المعنى بمثابة الممهد الأول لظهور العنصرية في مجتمع ما على اعتبار تضخيمه لقيمة ثقافته وفي نفس الوقت تبخيسه للثقافات والانتماءات الأخرى. ويعتبر التمركز العرقي المؤدي إلى التعصب وتحقير ثقافة الآخرين نتيجة للتنشئة الاجتماعية التي غالبا ما تلجئ إلى التلقين والتربية الأحادية الموغلة في الإشادة بثقافتها بطريقة مطلقة. بالإضافة إلى التمركز/العرقي هناك كذلك ما يسمى ب [2]« La  xénophobie » كمفهوم يتقاطع مع معاني ودلالات مفهوم العنصرية والذي يمكن تفسيره برهاب الأجانب حيث يشير إلى نوع من الخوف غير المبرر من الأجنبي الحامل لثقافة مختلفة على مستوى السلوك والاعتقاد. إن رهاب الأجانب يعبر عن نفسه بشتى أنواع العنف اللفظي والجسدي الموجه للأجنبي المختلف عرقيا وعقائديا وثقافيا. هذا العنف الذي يكون مصدره هو الخوف من المجهول.

يتضح الآن مما سبق ان العنصرية كسلوك لا يرتبط فقط بخلفية ذهنية مرسخة على مستوى الممارسة الثقافية النابعة من التمركز العرقي وإنما يرتبط كذلك بشعور عصابي يتمثل أساسا في رهاب الأجانب .ولعل من خصائص الذهنية المتمركزة عرقيا والتي تعاني من رهاب الأجانب؛ أنها لا تسعى إلى معرفة الآخر بقدر ما تذهب في اتجاه اسقاط عليه مجموعة من الأفكار الجاهزة والمسبقة والنمطية والتي تكون حاملة لمحتويات تحقيرية وقدحية. بهذا المعنى تكون العنصرية قضية معقدة تجمع بين متغيرات متعددة يتداخل فيها الثقافي بالتنشيئي والنفسي بالاجتماعي. انطلاقا من هذه التعاريف الأولية للعنصرية يحق لنا أن نتساءل عن الكيفية التي تطرح بها هذه الأخيرة في التداول الاجتماعي من خلال واقع المهاجرين السريين بالمغرب أو مع كل أحداث عنف ضدهم.

  1. العنصرية بين الضحية والجلاد

عرف المغرب في السنوات الأخيرة تزايدا ملحوظا في عدد المهاجرين السريين القادمين من جنوب الصحراء والذين تحولوا مع طول الوقت، بعد أن تعذر عليهم العبور إلى الضفة الأوروبية، إلى مهاجرين مقيمين. هذه الوضعية جعلت المغرب يتحول إلى دولة مستقبلة للهجرة بعد أن كانت مصدرة لها مما جعل المجتمع المغربي يعيش محكا حقيقيا بخصوص تصوره الذي يحمله عن نفسه كمجتمع مضياف وكريم وهو تصور لا يخلو من نفحة تمركزية. ذلك ان إقامة المهاجرين السريين الأفارقة بين ظهراني المغاربة تحولت إلى عنصر تحليلي[3] Analyseur يقوم بمساءلة المجتمع حول التصورات التي يحملها عن ذاته وإزاء الأجانب المختلفين عنه.

إن التمثلات الاجتماعية حول العنصرية والتي كانت تحضر في تداول المجتمع المغربي على اعتبار أنه الضحية لها من طرف المجتمعات الغربية المستقبلة للمهاجرين المغاربة قد تحولت بفعل هذا المعطى الجديد والذي جعل منه مجتمعا مستقبلا للهجرة. فإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أحداث العنف المتتالية التي شهدتها بعض المدن المغربية والتي ذهب ضحيتها بعض المهاجرين من دول جنوب الصحراء، يصبح  بإمكاننا أن نلاحظ أن التمثل الاجتماعي حول العنصرية أصبح يأخذ بعدا آخر. فالعنصرية التي كان المجتمع المغربي يندد بها وهو في موقع الضحية أصبح يجد نفسه متهما بممارستها إزاء الآخرين. إن هذا الكلام لا يعني أن المجتمع المغربي أصبح عنصريا كما ذهب البعض في تعميم هذا الحكم وإنما المقصود به هو إظهار هذا التحول على مستوى التمثلات الاجتماعية والذهنية.

هذا التحول من موقع الضحية إلى موقع المتهم بخصوص العنصرية له ما يبرره على مستوى الوقائع من أحداث عنف جسدي إلى حد القتل كما وقع  بمدينة طنجة في شهر شتنبر من هذه السنة 2014 والذي خلق سجالا إعلاميا وسياسيا وصل إلى قبة البرلمان.[4] كما وجد له كذلك صدى على مستوى المنظمات الحقوقية التي نددت بالعنصرية ضد المهاجرين السريين.

إن قضية العنصرية من خلال واقع المهاجرين السريين بالمغرب خلقت حراكا ليس بالمعنى السياسي فقط ولكن على مستوى الإدراك الاجتماعي حيث ظهرت جليا فكرة التمركز العرقي في تصرفات وسلوكيات الصراع مع الآخر المختلف وذلك حتى وإن ظلت هذه الصراعات محدودة ومتفرقة والتي تعبر في نفس الآن عن رهاب الأجانب كما سبق الذكر. ومن مؤشرات هذا التمركز العرقي في التعامل مع المهاجرين من جنوب الصحراء أن البعض من المغاربة ينسون أو يتناسون أنهم ينتمون أيضا إلى إفريقيا وينعتونهم بالأفارقة لا لشيء سوى للون بشرتهم السوداء وهكذا فعلى مستوى التمثل الاجتماعي يعتبرون أن الإفريقي هو الشخص ذو البشرة السمراء كما يعتبرونه مختلفا عنهم لهذا السبب.

إن التحول على مستوى فهم وتمثل العنصرية في ظل تواجد المهاجرين السريين من جنوب الصحراء بالمغرب يتمظهر في تعزيز التمركز العرقي وإنعاش رهاب الأجانب كخاصيتين لازمتين لكل المجتمعات التي تحتك بثقافات أخرى مختلفة. من هنا يمكن القول؛ إن العنصرية لا تخص مجتمعا دون غيره وإنما هي تعبر عن نفسها حسب الحالات والمواقف التي تتولد انطلاقا من الاختلاف العرقي والثقافي.

.4 العنصرية بين المواقف والسلوك

 العنصرية ليست بمثابة حكم يكون بموجبه المجتمع أو الفرد عنصريا بصفة قطعية ونهائية. ذلك ان هذه الأخيرة تعبر عن نفسها حسب الحالات والمواقف والسلوكيات. فالفرد الذي يكون أكثر إنصافا للمهاجرين في قضية معينة قد ينقلب إلى عنصري في مواقف أخرى حسب مصالحه والأحكام الجاهزة والمرسخة لديه إزاء هذه القضية أو تلك. صحيح؛ ان العنصرية تصل في أقصى درجاتها إلى التصفية الجسدية لكنها تجد تفسيرها في النظرة الاختزالية للأنا المتمركزة عرقيا وفي النظرة الاحتقارية للآخر المختلف.

من هذا المنظور فإن إيجاد الحلول المناسبة لمعضلة العنصرية لا تكمن في سن قوانين تجرمها وإنما العمل على التخلص من الأحكام النمطية الصادرة ضد الآخر. وبالرجوع لقضية المهاجرين السريين من دول جنوب الصحراء بالمغرب، فإننا سنلاحظ مجموعة من المواقف تحمل بين طياتها فعلا عنصريا  كالحرمان من العمل والسكن في تجمعات غير لائقة. ان يتجمع الأغلبية من المهاجرين السريين الأفارقة في حي بوخالف في ضواحي مدينة طنجة مثلا، يعتبر في العمق عنفا رمزيا يذهب في اتجاه التهميش والإقصاء عن  المركز. هذا الفصل في السكن على أساس الانتماء العرقي والذي أصبحنا نلاحظه في عدد من المدن المغربية التي تشهد كثافة للمهاجرين السريين الأفارقة خلق فضاءات للأقليات[5] والتي تصبح بفعل التهميش بمثابة مناطق للجريمة والانحراف.

إن العنف الرمزي في قضية العنصرية يمارس باستمرار من خلال مواقف الحياة اليومية التي قد تبدو مبتذلة وعادية لكنها تؤسس لسلوكيات تميزية  ضد المهاجرين كما هو الحال بالنسبة للمهاجرين السريين من دول جنوب الصحراء بالمغرب. إن تناول العنصرية بين المواقف والسلوكيات معناه أن هذه الأخيرة لا تعبر عن نفسها إلا من خلال الوظائف[6] التي تؤديها حسب الحالات والبنيات الذهنية التي تتحكم فيها. ومن الوظائف المهمة للعنصرية كآلية دفاعية تتمثل في الحصول على شرعية استغلال الآخر المختلف إلى درجة تحميله المسؤولية في أوقات الأزمات الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية. هذه الوظيفة التي تجعل من المهاجر كبشا للفداء أصبحنا نجد لها صدى، ولو جزئيا،  في الخطابات الاجتماعية بالمغرب. وكما للعنصرية وظائف على مستوى الادراك الاجتماعي لها كذلك مستويات وأولها ما يمكن تسميته بالما قبل ـ عنصرية  Pré-racismeفي هذا المستوى تكون العنصرية بسيطة ومفككة والتي تتجلى من خلال أعمال عنف متفرقة ومحدودة. هذا المستوى الأولي من العنصرية هو الذي أصبح يعبر عن نفسه في المجتمع المغربي والذي قد ينتقل إلى مستوى آخر تزامنا مع ارتفاع عدد المهاجرين السريين ليرفع من حدته إلى درجة صعوبة التحكم فيه.

.5 خاتمة 

 لقد حاولنا في هذا المقال المتواضع طرح قضية العنصرية في المجتمع المغربي وذلك بفعل تحوله تدريجيا إلى مجتمع مستقبل للهجرة السرية من دول جنوب الصحراء  وما يثيره هذا التحول من ردود فعل على مستوى الادراك الاجتماعي. إن العنصرية ليست صفة لازمة لمجتمع بعينه وإنما هي حالات ومواقف ومستويات تتغذى بالأساس على التمركز العرقي ورهاب الأجانب. من هنا لا يمكن إسقاطها على المجتمع بأكمله وإنما مقاربتها بالطريقة العلمية للكشف عن التمثلات الاجتماعية التي تروج لها.

عندما كانت العنصرية تحضر في التداول الاجتماعي والإعلامي داخل المجتمع المغربي فإنها كانت تحضر بأسلوب التنديد بالآخر العنصري المنتمي للثقافة الغربية، لكنها اليوم أصبحت تهمة موجهة للمجتمع بفعل واقع المهاجرين السريين بين أحضانه. هذا “المقلب” من الضحية إلى الجلاد يمكن اعتباره محكا حقيقيا لمساءلة العقليات والدهنيات المشبعة بالأفكار المسبقة والنمطية إزاء الأنا و وإزاء الآخر.

في هذا المقال حاولنا كذلك إعطاء بعض المقاربات رغم بساطتها فإنها تمكننا من تفادي الأحكام الجاهزة فيما يخص العنصرية وواقع المهاجرين السريين من دول جنوب الصحراء بالمغرب حتى يمكن تناولها  في تداخلها وتركيبتها المعقدة بين ما هو ذهني وإدراكي وما هو تربوي واجتماعي. في الأخير لابد من القول؛ إن الخوض في هذا الموضوع يتطلب أكثر من مقاربات نظرية ليتم استنطاق الواقع وما يحمله من متغيرات ومعطيات ميدانية.

هوامش ومراجع

[1] ــ من أجل التوسع في فهم هذا المفهوم انظر هذا الكتاب بالفرنسية   CUCHE, Denys. La notion de culture dans les sciences sociales. Editions La Découverte, 1996

[2] ــ معجم اللغة الفرنسية  LAROUSSE

[3] ـ المقصود هنا بعنصر تحليلي     Analyseur بالعامل المؤثر الذي يمكننا من مقاربة الحالة الخاضعة للبحث.

[4]  ــ انظر سؤال المعارضة للحكومة بخصوص هذه القضية ــ جريدة موقع طنجة 24 بتاريخ 02 – 09 – 2014

[5] ــ Laguerre M. (1999). Minoritized Space. An Inquiry Into the Spatial Order of Things, Berkley,

Institute of Governmental Studies Press  and the Institute of Urban and Regional Development.

[6] ــ انظر Micheline Labelle- Un lexique du racisme : étude sur les définitions opérationnelles relatives au racisme et aux phénomènes connexes  – Centre de recherche sur l’immigration, l’ethnicité et la citoyenneté (CRIEC)- site web : http://www.lexilogos.com/clavier/araby.htm