الشخصية المتعصبة ومشكلات التطرف واللاتسامح ،مقاربة نفسية اجتماعية

“الشخصية المتعصبة ومشكلات التطرف واللاتسامح ،مقاربة نفسية اجتماعية “

الأستاذ الدكتور المصطفى حدية

جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية – أبو ظبي

يشهد المجتمع العالمي اليوم تحولات عميقة في مختلف المجالات، نتيجة التقدم الهائل في البحث العلمي وما ترتب عنه من تطبيقات تكنولوجية هائلة، تأكد معها الدور الكبير للعلم والتكنولوجيا في إنتاج ثروات الإنسانية وتعزيزها في مختلف مناحي الحياة المجتمعية. فالسمة المميزة للأزمنة الحديثة هي أن البحث العلمي مؤتلف مع  التكنولوجيا التجريبية أديا بلا شك إلى تنوع هائل في المنتجات، وإلى تغيرات  هامة في كل من أساليب الإنتاج، والعادات الاستهلاكية، والقيم والمعايير والسلوكيات، الخ. كما أن فهم الإنسان للكون ولذاته و لعلاقاته برفاقه من بني البشر قد شهد دفعات من التقدم لم يسبق لها مثيل.

تحول مس في العمق نوعية وطبيعة القيم والقواعد التي كانت تشكل الخلفية المرجعية والنموذج المتوخى تحقيقه في مجال تربية وتنشئة الأطفال و الشباب. إن المسألة في الواقع أعمق من ذلك، بحيث صاحب هذا التحول و التغيير انقلاب وثورة في المفاهيم، ترتبط في الصميم بمفهوم الإنسان في حد ذاته، بتربيته وإعداده لمجتمع المستقبل ،لطبيعة العمل، للتواصل والإكراهات المتنوعة المصاحبة للعولمة الشاملة السياسية و الثقافية و الاقتصادية و الاجتماعية ،الخ. مجتمعات جديدة في عصر العولمة تقوم بشكل أساسي على البحث العلمي و التكنولوجيات المتجددة باستمرار إن عملية التفاعل الاجتماعي مهمة بشكل أساسي في تكوين هوية الفرد، نتيجة عملية التنشئة الاجتماعية التي ينبني خلالها ويكون تفكير الفرد الاجتماعي كتمثلات حول الذات في تفاعلاتها وعلاقتها بالآخر والمحيط الاجتماعي. فاندماج الفرد في المجتمع ليس مجرد تعلم وتقبل للمعايير الاجتماعية بل هو استدخال لهذه الأخيرة كجزء من الشخصية وتعبير عن هويته النفسية الاجتماعية. فلتحقيق هذا الغرض، أكد الباحثون أن عمليات التفاعل الاجتماعي تتم عبر وسائط مختلفة ومتنوعة يمكن حصرها وتصنيفها في نوعين رئيسيين هما: أولا، الوسائط اللفظية المتمثلة في أنواع الكلام وأشكاله وأنماطه المتعددة، وثانيا: الوسائط غير اللفظية وتشمل كل ما هو غير لفظي ويشكل مثيرا أو منبها لاستجابات سلوكية مختلفة، وتسهم في إحداث عملية التفاعل وتنشيطها، تختلف دلالات وقيمة هذه الوسائط بالنسبة لعمليات التفاعل الاجتماعي ونتائجها من مجتمع لآخر ومن ثقافة لأخرى ومن جماعة لجماعة وحتى من فرد لآخر في الجماعة الواحدة من خلال هذه التفاعلات بين الشباب والمجتمع والجماعات والمؤسسات المتضمنة له .نحن إذن في مجتمعات عرفت تعقدا في أنماط  التفاعل الاجتماعي نجم عنه في حالات كثيرة  التوتر في العلاقات بين الفرد والجماعة أو الجماعة والجماعة: وضع تمخضت   عنه ظواهر خطيرة مست العيش في طمأنينة  وسلام بالنسبة للأفراد والجماعات   كانتشار القتل والميز العنصري نتيجة التعصب والعداء.

تبين عدة دراسات أن التعصب اتجاه مكتسب ومتعلم ولا توجد أية أدلة تؤكد ما يدل على وجود غريزي، فسيولوجي للتعصب، فالتعصب ليس فطريا إذا، بل ما يمكن التأكيد عليه هو وجود عند الفرد ما يمكن أن نسميه الاستعداد للتعصب، كل فرد مستعد حسب الظروف والمعطيات التربوية والتنشئة، أن يكتسب ويتعلم التعصب، ويكون كما سنرى شخصية متعصبة، حاقدة، مشحونة انفعاليا إزاء جماعة أو موضوع إما بالقبول وإما بالرفض، مما يجعله مهيأ للعنف والعدوانية و ممارسة الإقصاء و التطرف و بعيدا عن التسامح و السلم.

ما هو التعصب و كيف يتم رصده من قبل الباحثين في علم النفس الاجتماعي؟و ما هي خصوصيات الشخصية المتعصبة؟ وما هو دور التربية و التعليم و التنشئة الاجتماعية في بناء اتجاهات ايجابية إزاء الاخر في تعاطف و تعاون و حوار هادف إلى إرساء شروط و مكونات ثقافة السلم و التسامح و العيش الآمن ونبذ التطرف و العدوان والعنصرية و التمييز بين الأفراد و الجماعات بشكل سلبي؟

تحميل المقال كاملا