آثار التخلي على سيكولوجية الطفل: حالة نزلاء “دار الأطفال” خلود السباعي

آثار التخلي على سيكولوجية الطفل:
حالة نزلاء “دار الأطفال”
خلود السباعي
أستاذة علم النفس
جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – المحمدية
المقال منشور في ” المجلة المغربية لعلم النفس” بتاريخ 28/07/2018

rmpsy.com


ليس الإقصاء الاجتماعي كما قد يتبادر إلى الذهن ظاهرة مرتبطة بسن الرشد، وإنما قد نجد بعض معالمه أو جذوره ضمن ظروف الطفولة المبكرة. فلما يتعلق الأمر بطفولة تواجه ظواهر اجتماعية وأسرية تعاني من صعوبة الاندماج، في غياب وجود هيئات اجتماعية مساعدة تقوم بعمليات الدعم والرعاية والمساعدة، فإنه يبقى من المحتمل أن تتحول هذه الظواهر الإقصائية إلى ظواهر وراثية.

وتمثل مؤسسات الرعاية الاجتماعية بشكل عام، وفي مقدمتها المؤسسات المكلفة بالأطفال والتي كانت تسمى سابقا بالملاجئ والخيريات، أحد التدابير التي تسعى إلى التخفيف من وطأة الإقصاء، ومنح هؤلاء الأطفال فرصا تساعدهم على تحقيق الاندماج الاجتماعي. وفي هذا الإطار يأتي اهتمامنا بعينة من الأطفال في وضعية صعبة، ألا وهم نزلاء “دارالأطفال”. وتمثل “دار الأطفال” إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية، التي كانت تعرف إلى عهد قريب “بالخيرية الإسلامية”، والتي تتلخص مهمتها في إيواء ورعاية شرائح مختلفة من الأطفال في “وضعية صعبة ” وفي مقدمتهم:

– الأطفال اليتامى.

– الأطفال الذين يعيشون في أوضاع التفكك الأسري.

-الأطفال الذين تعاني أسرهم من الفقر والهشاشة بشكل يجعلها عاجزة عن رعايتهم والتكلف بنفقاتهم.

– الأطفال المتخلى عنهم.

فإذا كانت دار الأطفال تأوي عددا من الأطفال في وضعية صعبة، فإن أوضاع الأطفال المتخلى عنهم تبقى الأكثر صعوبة وتعقيدا، سواء بالنسبة للنزلاء أنفسهم، أو بالنسبة للمشرفين على تسيير المؤسسة وذلك لاعتبارات متعددة يمكن تلخيصها في كونهم: الأطفال الذين لا مأوى لهم غير المؤسسة، مما يفرض على هذه الأخيرة أن تتكلف بكل احتياجاتهم المادية منها والمعنوية. الشيء الذي غالبا ما تعجز عنه هذه المؤسسات في ظل ما تتوفر عليه من إمكانات ضئيلة، سواء على مستوى البنيات التحتية أو الإمكانيات المادية أو البشرية. وبناء على ذلك، تفيد الملاحظات العينية بأن هذه العينات من الأطفال، يشكلون داخل المؤسسات التعليمية، الفئات الأكثر تعرضا للمشاكل المدرسية مقارنة بغيرهم. وذلك سواء على مستوى

ارتفاع نسبة التعثر الدراسي، الهدر المدرسي، صعوبة الاندماج في التعليم التقني والتكوين المهني. أما على مستوى الانضباط فإنهم يمثلون الفئات الأكثر ميلا إلى الشغب وممارسة العنف داخل المدارس.

وبناء على هذه الخصوصيات، توخينا في هذا العمل الاهتمام بهذه العينات من الأطفال، بغرض فهم الأسباب الكامنة وراء هذه الاضطرابات التعلمية والسلوكية داخل المدارس، ومدى ارتباطها بالانعكاسات السيكولوجية لوضع التخلي على شخصياتهم في بعدها العاطفي، المعرفي والسلوكي. ومن بين التساؤلات التي نطرحها في هذا المجال:

  • إلى أي حد تساهم هذه المؤسسات التي أنشئت من أجل احتضان الأطفال في وضعية صعبة، إلى انتشالهم من هذه “الوضعية”؟
  • إلى أي حد يمكننا القول بأن وجود الأطفال ضمن هذه المؤسسات وانتمائهم إليها، يمنحهم الإحساس بأنهم لا يعيشون في وضعية صعبة؟
  • إلى أي حد تتمكن هذه المؤسسات من ترميم الشرخ الحاصل بفعل الفقدان، ومساعدة الطفل على بناء هويته بشكل متناغم؟ تجاوز هواجس الخوف؟ وإعادة نسجه لروابط تمكنه من التغلب على اغتراب الذات، تقبله لماضيه، تمتعه بحاضره، وتخطيطه لمستقبله؟

وسعيا للإجابة عن بعض من هذه التساؤلات، قمنا بدراسة ميدانية حاولنا من خلالها الوقوف على بعض الجوانب السيكولوجية لهؤلاء الأطفال، بغرض تسليط الأضواء على خطورة انعكاسات “التخلي”. وبناء على ذلك فإننا لم نسع من خلال هذا العمل إلى الحديث عن واقع المؤسسات أو المراكز الإيوائية بما تعانيه من صعوبات لوجيستيكية أو تدبيرية، بقدر ما كان هدفنا، الوقوف على بعض المعالم النفسية والعقلية والسلوكية لنزلاء “دار الأطفال”، بغرض معرفة مدى تمكنهم في ظل عيشهم ضمن هذه المؤسسات من تحقيق الاندماج وتجاوز الشرخ الحاصل بفعل “التخلي”.


تحميل المقال كاملا