سيكولوجية التعامل الإيجابي مع المراهق المزعج

سيكولوجية التعامل الإيجابي مع المراهق المزعج
د. أحمد معد
أستاذ علم النفس بجامعة محمد الخامس الرباط

تمهيد
استهل عالم النفس السوري فاخر عاقل مقدمة كتابه “معالم في التربية” بقول بليغ وغاية في الأهمية
حيث قال:” لم تعد التربية في قرننا العشرين هذا اعتباطا وتخبطا، إنها علم وفنن، نظر وعمل، اجتهاد
وتطبيق، اختصاص وابتكار. والمربي، أبا أو معلما أو زعيما أو مصلحا اجتماعيا، أصبح بحاجة
ماسة للاطلاع على أصول التربية ومبادئها والتعمق في أساليبها ووسائلها” (فاخر: .)1981والحقيقة
أنه بالرغم من مرور حوالي أربعين سنة على هذه القولة، إلا أنه يبدو أنها لا تزال قوية في توصيف
ماهية التربية حتى يومنا هذا. فالتربية بما هي عمليات وتفاعلات واحتكاكات متداخلة بين المربي
وبين من يخضع لتلك العمليات، لا يجب أن تكون اعتباطية أو غير علمية، وإنما يجب أن تكون
خاضعة لنظام يتشكل من مبادئ علمية مصاغة بعد دراسات علمية نفسية وتربوية واجتماعية أيضا.
فالتربية إذن علم يتأطر بمرجعيات بحثية، لكنها ليس هذا وحسب، وإنما هي فن واجتهاد وإبداع. إنها
فن لأنه ليس الكل ينجح في تحقيقها بالشكل المطلوب، ثم هي فن لأنها تستوجب مجموعة من الشروط
الفنية شأنها شأن باقي الفنون، وهي أيضا اجتهاد وتطبيق وابتكار، فهي ليست عملية جامدة أو جاهزة،
ولا يمكن لها أن تكون كذلك حتى ولو حاولنا، ومبرر ذلك هو أنه في عملية التربية نتعامل مع كائنات
حية تفيض بالديناميكيات النفسية المختلفة من تصرفات وانفعالات.

في هذا السياق تتأطر سيكولوجية التعامل مع المراهق المزعج، فمن الحكمة أن نتعامل معه وفق
عمليات دقيقة من اجتهاد وابتكار، ومحاولة تطبيق الحد الأدنى من الشروط العلمية، مع مراعاة
خصوصية كل فرد على حدة.
إن سيكولوجية التعامل مع المراهق المزعج في هذا الإطار، نقاربها في إطار مرجعي يتحدد في بعض
ما توصل إليه علم النفس الإيجابي من أفكار ومبادئ تفيد في التناول الجيد للعلاقات الإنسانية، وتفيد
أيضا في التدبير الحكيم لمبدأ العلاقة مع فئة يمكن وصفها أحيانا بالفئة الخاصة لما لها من خصوصيات
تتجاوز أحيانا حدود المعقول. فهذه الفئة الخاصة التي تتأطر ضمن مرحلة المراهقة، تحتاج إلى تعامل
سيكولوجي خاص أكثر حذرا من التعامل السيكولوجي الذي يكون فئة المراهقين العاديين.
ولاعتبار منهجي توضيحي، فإننا في هذه الورقة البحثية سوف نتناول الموضوع بنوع من الحذر لأن
الكثير من الأقلام بدأت تتحدث هذه السنوات الأخيرة عن علم النفس الإيجابي بنوع الاستسهال للعلم
لا يخلو من التطفل، وبنوع من التهافت التجاري إلى درجة أن أفرادا خارج مجال التخصص يترامون
على الاشتغال في الموضوع. فقد أدت تلك الهرولة غير الملتزمة إلى نوع من التشويش على صورة
علم النفس الإيجابي بوصفه امتدادا للمدرسة الإنسانية وليس انحرافا عنها، مما جعل صورة البحث
فيه تهتز أمام كثير من أهل في علم النفس.
وفي هذا السياق سوف نشتغل على سؤال سيكولوجية التعامل الإيجابي مع المراهق المزعج بنوع من
الحذر، وذلك من خلال تناول ثلاثة محاور أساسية: نتطرق في المحور الأول لتأطير مفاهيمي
لموضوع البحث ومن ثم تحديد إشكاليته، وننفتح في المحور الثاني على بعض من سمات المراهق
المزعج، ونختم هذه الورقة البحثية بمحور ثالث نحاول أن نقدم فيه بعض معالم التعامل مع المراهق
المزعج كمداخل تطبيقية، يمكن تطويرها والاجتهاد فيها حسب الشروط والخصوصيات

تحميل المقال كاملا